فنّ الملاحظة – القدرة على الانتباه إلى الأشياء الصغيرة

هل لاحظت القمر مساء أمس؟ هل تعرف في أيّ طور هو على الأقلّ؟ هل فكرت يومًا كم هو رائع أن يلاحظ شخص ما الأشياء الصغيرة التي تجعلك سعيدًا؟ إنّ الأمر أشبه بوجود مشجع شخصي خاص بك للأشياء التي تحبها. دعونا نتعمق في السبب الذي يجعل فن الملاحظة يشبه الخلطة السرية للتواصل الرائع مع الآخرين، وكيف ننمّي عضلات الانتباه. وما هو فنّ الملاحظة؟

ما هي الأشياء التي تدخل في هذا المجال؟

1- الإِبداع: إن الإبداع - سواء أكنت فنانًا أو مصممًا أو كاتبًا أو رجل أعمال أو منخرطًا في عمل يصنّف ضمن المهن السابقة، ويقع في أي مكان في الطيف بينها - يبدأ بملاحظة ما تجاهله الآخرون، أو ما لم يتنبهوا إليه. سواء أكان ذلك يستلزم اكتشاف المشكلات التي تحتاج إلى إصلاح، أو الظواهر التي يجب الاحتفاء بها والتي يتم الاستهانة بها، أو الألغاز الخفية التي تتطلب تفسيرًا، فهذا يعني التخلص من الإلهاء والتفاعل مع العالم. يساعد فن الملاحظة الناس على القيام بذلك من خلال تقديم المطالبات والأفكار والألعاب والتحديات والمهام التي يمكنك القيام بها (أنت، أو نصفك الآخر، أو أطفالك، أو طلابك، أو فريق العمل الخاص بك). تبدأ الملاحظة بالاهتمام بالآخرين والأشياء المحيطة، وبخاصّة تلك التي يتم تجاهلها والاستخفاف بها. ففي ثقافة تركز على ما هو رائج، فإن ملاحظة ما فاته الجميع هو بالضبط ما يميزك عن الآخرين - ويجعلك من أنت.

2- العمل: سواء أكان ذلك يعني العمل المهني، أو العمل الإبداعي، أو أي من التركيبات العديدة منهما مثل ريادة الأعمال، والعلم، والصحافة، وحتى الرياضة... وبخاصّة في الآونة الأخيرة التي غيّر الوباء فيها المواقف اتّجاه العمل. الكثير منا يعيد التفكير في الأهداف والطموحات. فن الملاحظة له تطبيقات في عالم العمل أيضًا. على سبيل المثال، استكشاف مدى فائدة التوقف المؤقّت عن العمل، في العمل. إن الفضول الذي يقع في قلب فن الملاحظة هو مهارة قيّمة في جميع أنواع الوظائف، لا تعرف الشركات دائمًا كيفية تشجيعها.

3- البقاء إنسانًا: بالتأكيد لا تحتاج منّا أن نخبرك أن هناك العديد من المتطلبات التي تتطلب اهتمامك، وأن التقانة الحديثة تجعل هذه المشكلة أكثر حدّة كل يوم. أنت تعرف هذه المشكلة بالفعل، وإحدى فوائد فن الملاحظة هو أن يكون سلسلة لا تنتهي من الحلول. بمعنى آخر، لسنا هنا في معرض هذه المقالة لنطلب منك إغلاق هاتفك؛ بل لنخبرك بما يمكنك فعله وهو أمر أكثر إثارة للاهتمام بحيث يعود هاتفك إلى مكانه المناسب في حياتك.

ما الذي يمكنك فعله؟

1- الأشياء المفضّلة: تخيل أنّ لديك صديقًا يعرف كتابك المفضل على الإطلاق، ذلك الكتاب الذي تعود إليه مرارًا وتكرارًا، وتقرؤه مرارًا وتكرارًا. ذلك الكتاب الذي بالنسبة إليك ليس مجرد كتاب، بل هو رفيق أيضًا. هل لديك شخص يتذكر ذلك ويذكره ــــــ عرَضًا ــــــ أثناء محادثاتكما؟ يبدو الأمر كما لو أنّ صديقك حصل على تصريح بالولوج إلى أفكارك ومشاعرك. ماذا عن الوجبات الخفيفة التي تفضّلها؟ من منّا لا يحب الوجبات الخفيفة؟ تخيل أن شخصًا ما يفاجئك بوجبتك الخفيفة المفضلة - تلك التي تشعرك بالذنب عند تناولها. الأمر لا يتعلق فقط بالطعام؛ يتعلق الأمر بمعرفة ما الذي يجعل براعم التذوق لديك تقوم برقصة سعيدة.

2- الاحتفاء بالأشياء الغريبة: جميعنا لدينا بعض الغرابة، أليس كذلك؟ تلك العادات الصغيرة والاهتمامات الغريبة هي التي تجعلنا ما نحن عليه. إن فن الملاحظة يتعلق أيضًا بشخص يتقبّل غرابتك تمامًا. مثل هذا الشخص لا يتسامح مع غرابتك مجرّد تسامح؛ بل يحتفي بها ويحتضنها أيضًا! وسواء أكان ذلك حبك للأفلام الغريبة أو روتينك الصباحي الغريب، أو طريقة تناولك للطعام، أو غيرها... فإن وجود شخص يشاركك في هذا الأمر يشبه وجود شريك في الجريمة بسبب تفردك.

3- اللحظات التي تخطف الألباب: الحياة مليئة باللحظات المذهلة التي غالبًا ما تمر دون أن ندركها، أو ننتبه إليها. يمكن أن يكون غروب الشمس هو الذي يرسم السماء بألوان مجنونة، أو الأنماط الرائعة في الطبيعة، أو أضواء المدينة التي تؤدي رقصاتها الليليّة. عندما يشاركك شخص ما هذه اللحظات الرائعة، يبدو الأمر كما لو كنت تشعر بأضعاف الروعة. تلك العجائب المشتركة تخلق ذكريات تبقى في الأذهان.

إن فن الملاحظة يدور حول الانخراط في العالم والتواصل مع الآخرين، ولكنه أيضًا يتعلق بالبقاء على تواصل مع نفسك وما يهمك حقًا. يتعلق الأمر باستخدام حواسك الخمس، وجميع حواسك الأخرى التي لا يتحدث عنها أحد.

بعض النصائح:

إليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على زيادة قدرتك على الانتباه:

1- البقاء لدقائق دون فعل شيء والإصغاء لما حولك.

2- الانتباه للأشياء من حولك وتخيّل ماذا يمكن أن تصبح.

3- تغيير طريقك (كسر العادات)،

4- ملاحظة أغرب شيء في الغرفة والسؤال عنه (قد يكون خلفه قصة جيدة)

الخاتمة:

تخيل عالمًا يتمتع فيه الجميع بهذه القوة الخارقة في ملاحظة الأشياء الرائعة عن بعضهم البعض والاحتفال بها. لا يقتصر الأمر على كونك لطيفًا فحسبن بل يتعلق بإقامة علاقات تواصل تتألق بالفرح. إن وجود شخص يلاحظ أشياءك المفضّلة، ويحتضن غرابتك، ويتحمس للعجائب من حولنا - هذا هو السحر الحقيقي لفن الملاحظة. إنه مثل وجود فرقة دعم شخصية لحياتك، ومن لا يريد ذلك؟ وتذكّر في الختام أنّ حياتنا هي ما ننتبه إليه، سواء بإرادتنا أو رغما عنّا.